
واسطة العقد الفريد وعذراء عاصمة الواحات والنخيل وديار خولة (ببرقة ثهمد) ومنازل أهلها بسقط اللوى بين الدخول فحومل .
هي (أغنمريت) حاضرة بطحاء أطار الجميلة، حيث الأخدود الذي تمر منه مياه أودية الولاية و تغتسل عيون سكان الحي العريق، كلما فاض (الربط) بماء منهمر .
هي (أغنمريت) حيث المتدثرين بتقوى الله والساجدين بجباههم لله والمسبحين بحمد الله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل وأطراف النهار.
في هذا الحي المبارك، ولدت وترعرعت و (شب عمرو عن الطوق) كما يقال.
وفي هذا الحي تعرفت على الأرض التي منها خلقت وفيها سأعود ومنها أخرج تارة أخرى.
الأرض التي عجنت بطينها وامتزجت بحبات رملها ومشيت حافيا على رمالها الساخنة، سخونة جبال (عروس الشمال) التي لم تزف ولن تزف، لأن فارس أحلامها مثل سيزيف، يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد.
في هذا الحي المفعم برائحة الخبز وعبق الصالحين و كرامات الأولياء، وعراجين التمر وبيوت الطين والحجر، وماء الغدير العذب الزلال، وثغاء الماعز عند الصباح ..
في هذا الحي، حيث تستيقظ على زقزقة العصافير المسماة محليا ب (طيور الجنة) ودندنة حمام القمري المهاجر و تحليق طائر العقاب وهو يتلمس طريقه صوب (بتوار) عند مدخل المدينة، وقرع نعال الجنود وهم يمارسون رياضة الصباح ..
في هذا الحي ،تتجسد ملامح ميلاد مدينة (اطار) التي تأسست في بداية القرن الثامن الهجري (حوالي القرن الرابع عشر الميلادي) في موقعها الأول غربي البطحاء، قبل أن تجرفها السيول عدة مرات لتنتقل إلى شرقي البطحاء، وتشيد حسب نظام القصبة السائد حينها والذي بني وفقه الحي العريق (حي كرن الكصبة) وخطى على نهجه حي (أغنمريت) رغم أن الأخير لم يتعرض للغمر مثلما تعرض له حي (كرن الكصبة) عدة مرات وذلك بسبب وجود (أغنمريت ) في موقع مرتفع نسبيا عن مجرى السيول ،تشقه (البطحاء ) الشهيرة بتجاه حي ( الظلعه ) الذي يوجد على مرتفع صخري .
في هذا الحي عشت طفولتي ونشأت في كنف أسر كثيرة تربطني ببعضها أخوة في الرضاعة وهي :
- أسرة أهل تقره ولد محمد لوالدتهم إكليثم بنت بون (والدتي)
- أسرة أهل أحمد وهن لوالدتهم فاطمة بنت أنبي (والدتي)
- أسرة أهل محمد ولد الشيخ حسنه لوالدتهم إمانتي بنت محمد ماء العينين ولد الشيخ الطالب أخيار (والدتي)
- أسرة اهل سيدي ولد كطاي لوالدتهم مريم بنت ماموري (والدتي)
وهناك أسر عريقة أخرى تمثل جزء لايتجزأ من فسيفساء هذا الحي وعشت بينهم وفي كنفهم فصولا ومراحل من طفولتي بهذا الحي التاريخي، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
- أهل الحجاج لوالدتهم فاطم بنت لحويرثي
- أهل اليدالي لوالدتهم أفديدي بنت المعيوف
- أهل سينطس لوالدتهم الهامله
- أهل بلعمش
- أهل بخ
- أهل سوله
- أهل الفروي
- أهل أحمد العالم
- أهل أمم
- أهل جدين
- أهل كاي
- أهل بهناس
- أهل أحمد لعم
- أهل مختار
- أهل إحديد
- أهل بنيكن
- أهل إكرين
- أهل عالي كوناتى
- أهل أعل مبي
- أهل سلمان
- أهل سيدي جارا
- أهل زر غزي
- أهل إبلال
- أهل إعليه
- أهل أنكيدا
- أهل خيري
- أهل المجتاب
- أهل مولاي
- أهل بيج
- أهل عبد الله
- أهل بودريكة
- أهل أيسارة
- أهل امعَيطيش
- أهل السالك
- أهل مامون
- أهل خورو
- أهل أعل تم
- أهل اللهاه
- أهل يحي أنجاي
- أهل الطايع
- أهل بوصبيع
- أهل لطرش
- أهل أجيه
- أهل أماده
- أهل زم
وهناك الكثير من العائلات الأخرى التي كانت بمثابة عائلتي الثانية في هذا الحي العتيق بمدينة أطار.
لم أكن أشعر حين أكون عند أي أسرة من هذه الأسر سوى أنني داخل عائلتي الصغيرة.
لقد كنا في هذا الحي العتيق، نتبادل كل شيء، الرغيف و الاحترام و المحبة و صلة الرحم ، ويتم توجيهنا كأطفال - حين نخطأ - من طرف رب أي أسرة من أسر الحي دون ان يكون في ذلك ما يزعج باقي الأسر أو يثير حفيظتهم ، فكل أب وأم في هذا الحي هم أب وأم لكل أطفال الحي .
الحديث عن هذا الحي وسكانه، حديث ذى شجون، غير أنه لا تكتمل فصوله ولا أن تتكامل تفاصيله دون أن المرور بسيدتين من جيل التأسيس وأيقونتين شكلتا الذاكرة الحية والوجه الأكثر إشراقا ونضالا وحضورا، ليس فقط على مستوى الحي بل على مستوى الولاية ككل، هن المرحومتين بإذن الله "الزينه بنت السالك ولد اعل بوب " والوالدة الملهمة " الهامله ".
لقد كان لهاتين السيدتين العظيمتين دور كبير في التاريخ الملحمي لهذا المنكب البرزخي من الوطن، فقد عرفتا بالنضال والكفاح وتربية الأجيال على حب الوطن والذود عنه.
لقد كانت الزينة بنت أعل بوب صوت الوطن الصادح وجباله الشامخة، حيث نافحت عنه في كل الميادين وكانت في المقدمة حين يتعلق الأمر بالوطن دون تردد.
مارست السياسة بكياسة وعقل راجح وكانت حكيمة الحي والمدينة والولاية والوطن دون منازع.
فيما كانت المرحومة (الهامله) الصوت الشجي الذي تذوب على نبراته القلوب تصوفا، حين تصدح بمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم رفقة باقي أعضاء فرقتها الأهلية الشهيرة: (عيشة بنت بلال و السالمة) .
وكانت (الهامله) الوجه الباسم المعبر عن أفراح أهالي هذا الحي الوديع في كل مناسبة اجتماعية وفي كل حدث وطني.
وحين تلتقي الزينه والهاملة فهو لقاء ماتع بين الوطن والوطن، بين النيل والفرات في فصول ملحمة جلجامش أو ملاحم هوميروس.
وفي خضم سرد ذكريات الزمن الجميل في أحضان حي (أغنمريت)، خلال أيام الصبا وزمن الطفولة المخملي، لابد ان تقودني الرحلة الى استحضار بعض الأسماء التي اشتهرت بتعليم القرءان الكريم في محاضر هذا الحي ومن بينها، المعلم الشهير محمد نوح والمعلمة ديده بنت أعمر، اللذين تخرج على يديهم الكثير من الحفظة والمجازين في القراءات.
وفي ليالي حي (أغنمريت) كان صوت عذب و مزمار من مزامير داوود، وهو المداح المعروف محمد ولد محمود الملقب أبرور رفقة معلمه المداح الشهير محمد ولد أحمين سالم، ينثران شذى مدائح خير البرية في تلك الليالي السمرية خاصة في مجالس ليلة الجمعة.
كما كان لصوت المداحتين (أم أحويلي ومارية) وجوقهما النسائي دور مهم في رسم فصول حكاية المدح في حي (أغنمريت).
في الجانب الآخر من المشهد الفني في حي (أغنمريت ) تربع الفنان المرحوم الجيش ولد آب على كرسي السهرات الفنية و أختطف لنفسه مسامع السكان ولبهم من خلال فرقته المعروفة بفرقة (أهل أطار ) رفقة زينب بنت بوساق وناصرها الله بنت أنغيميش وبنت ابريكه وولد بوب .
وفي حي (أغنمريت)، برزت شخصيات كان لها أثر بالغ في تاريخ هذا الحي ولعبت أدوارا مؤثرة في تفاصيل الحياة اليومية لسكانه، من بين تلك الشخصيات :
- "فاطمة بنت بوطرفاي" الأم العصامية ومربية الأجيال والمدرسة المتكاملة في تعليم سكان الحي أروع الأمثلة في التفاني والصدق والإخلاص و والتعفف والاعتماد على الذات و نقاء السريرة وحب الخير للجميع رحمها الله.
- " محمد الأمين ولد سلمان " الرجل الطيب وصديق الجميع وصاحب أول متجر يدخل الثلاجة الى الحي، حيث كنا نحن الأطفال نتسابق إليه لشراء "بلبصتيك " ومن لم يكن منا يملك ثمنها كان ولد سلمان يمنحها له هدية مع تقبيل رأسه والدعاء له بالصلاح .
- "أبب " صاحب محل النجارة الشهير الذي دخلت أكسسواراته الخشبية الجميلة في كل بيوت الحي .
- محمد الملقب "اللمبه" وهو مصلح الدراجات الهوائية المشهور في الحي وكان (أبكم ) ولكنه شخصية مميزة في الحي بتواضعه وأنفته ورفقه بنا نحن الاطفال حين نفد إليه من أجل إيجار إحدى الدراجات رحمه الله ، وقد سطع نجمه رفقة زملائه في الأحياء الاخرى مثل : "سمته" و "متشو" وولد موري وغيرهم .
- "ولد إفلي " صاحب محل الخياطة المعروف في الحي و رجل المسجد الذي لايتخلف عن الصلوات حيث ينادى بهن.
- " دافيد " مكون الاطفال والقائد الكشفي الشهير.
- "بتاح " وهو مجنون الحي الذي حفظنا ونحن أطفال كلمته الشهيرة (حمره) وكان يلاعبنا دون ان يؤذينا .
عرف حي (أغنمريت) ببعض المعالم الشهيرة والتي من بينها مثالا لاحصرا : "ابيمي" و"جيني " و "لبطيحة" و " خوبات "و " تيدرت انصاره " و "الكنيسة النصرانية " و " السلك " و" رك هيري هيري " و "سينما المرحوم همام " و" TP " و "L'EMIA " و "مخبزة سيدي ادره " و " مخازن مفوضية الأمن الغذائي" و " بيوت الضباط الفرنسيين "و "المدرسة رقم واحد المولوصيا" المعروفة حاليا بإعدادية البنات ، "اغنمريت داه ولد الشين " و " سيداحمد ولد رمظان " و "صدرايت ولد بارداس " و "سودير عبدَ".
يضاف الى هذه المعالم الشهيرة معالم من نوع آخر ، حيث يتميز الحي بشهرة شوارعه وأعمدة الانارة الموجودة به والتي يحمل كل عمود منها اسم الاسرة التي يقابلها ، مثل :"داية الهاملة" ،"داية أهل كديه"، "داية أكرين "، "داية مينه"، "داية أهل بولمساك" و شارع " ولد بودريكه " ، شارع الزينة بنت اعل بوبه، شارع الهامله، شارع لبطيحه، شارع إبيمي، شارع جيني .
وعرف هذا الحي بوجود بعض الأسر الفرنسية التي استقر بها المقام هناك، حيث اعتنقت الاسلام، من أشهرها عائلة Gabrielle و كذلك الفرنسي منيه Mounih الذي ما يزال منزله قائما بالحي إلى الآن .
ومن بين أبرز الأحداث التي شهدها حي أغنمريت والتي ماتزال عالقة بالذاكرة الجمعية لسكان الحي وبقية أحياء عاصمة الولاية بشكل عام، سيل أطار الثاني الذي راح ضحيته بائع (منيجه ) الشهير في الحي و أعمارت " TP " التي خلفت العديد من القتلى بعد انفجار ضخم بمخزن تابع لمكتب الأشغال العمومية في مدينة أطار الواقع بحي أغنمريت والمعروف بـ (TP:Travaux publics) و هو المخزن الذي كان يحتوى على الكثير من مواد (الديناميت) شديدة الانفجار المعروفة محليا بـ (المِينْ).
وفي الجانب الرياضي كان حي أغنمريت معقلا لأحد أكبر وأعرق أندية كرة القدم في الشمال وهو نادي " Progrè " والذي من بين أشهر لاعبيه التاريخين المرحوم ابليه، وهو النادي الاكثر تتويجا في تلك الفترة بالدوري المحلي أمام غريميه التقليديين "انتيد " و" التضامن " Solidarité .
كما تميز هذا الحي بوجود العديد من الاندية الرياضية التي تحمل أسماء نساء خالدات ماجدات من نساء الحي مثل فريق "أغنمريت الهامله " و فريق "أغنمريت الزينة بنت أعل بوبه " وفريق "أغنمريت القلة بنت بح " وفريق " أغنمريت النين بنت عبد الله" وغيرهن من السيدات اللاتي تم تكريمهن بإطلاق أسمائهن على هذه الفرق تقديرا للمكانة التي تحظى بها المرأة في هذا الحي بشكل خاص.
إضافة الى كرة القدم توجد فرق المصارعة التقليدية المعروفة محليا ب (هيري هيري) التي تمارس نشاطها الرياضي في الساحة الواقعة قبالة نقطة الاتصال اللاسلكي المعروف محليا ب "السلك".
لدى سكان حي أغنمريت بعض العادات المتوارثة والجميلة ، خاصة لدينا نحن الاطفال في تلك الفترة من بينها :
لعب "اميربوغ " و "الطالبات " و " الغميظه " ، إضافة الى صيد "أظبوبه " و جلب "الفصه " وخبز الحطب الساخن في الصباح الباكر والبحث عن حصتنا من "السربه " و جمع " فلجيط " والاجتماع ليلا تحت ضوء أحد أعمدة الكهرباء في انتظار ( سكي كسكس) "الميدوم" عادة بدهن "أغرط " أو "العكه" وكذلك الأرز في فترة الغداء "الميدوم" ب "لودك " و المطعم بلحم " التيشطار" وايضا "بلغمان" وعيش "فندي" وعيش "متري" و" اكسور " قمح اشيلال وحده اعل وحده و" دي دي ".
ولدى نساء حي (أغنمريت ) عاداتهن الخاصة ، حيث يجتمعن مساء كل يوم أمام منزل أحداهن فيما يعرف بظاهرة "التحياط " و حين ينتهي الاجتماع يذهبن في مجموعة لايصال بعضهن البعض الى منازلهن فيما يعرف ب" آمسيفاط " .
كما أنه لدى الأهالي في الحي عادة جميلة ، تجسد أقوى وأبهى صور التكافل الاجتماعي ، حيث لا يمكن ان تصل المؤونة الى منزل الا وتم توزيع أزيد من نصفها على باقي أسر الحي .
وهذا مايفسر عدم وجود متسولين في الحي خلال تلك الفترة .
وحين يعود الاهالي من موسم الكيطنة ، فإن كل أسرة تهدى الى الأسرة الاخرى، قسطا مما جنته من تمور ، رغم توفره لدى الجميع في ذلك الموسم .
وفي هذا الحي ، في تلك الفترة ، يمكن للنساء ان تنام في الشارع المحاذي لمنازلهن ويمكن ان تضع اشيائك الثمينة أمام منزلك ،وستبقى كما هي ، فالحي آمن ولا أحد يسرق أحد ، لان الحي ببساطة عبارة عن عائلة واحدة في اكثر من منزل.
ومن الأشياء المميزة في هذا الحي ، هوأنه لايكاد منزل من منازله يخلو من ثلاجة طبيعية تسمى "القربة "، اضافة الى خزان أسمنتي للماء البارد وآخر للماء المالح .
وفي كل منزل شبكة صرف صحي متكاملة عبارة عن بئر لتصريف مياه الامطار، كما تتميز اغلب بيوته بقدرتها الفائقة على التكيف مع التغيرات المناخية ، حيث تكون باردة في فترة الصيف ، دافئة في فترة الشتاء .
و تتميز هذه البيوت اضافة الى شكلها المعماري والهندسي بصمودها في وجه عاتيات الزمن و بقائها لسنوات طويلة .
ويتحول هذا الحي الى مدينة مهجورة ، مع بداية كل موسم جني التمور " الكيطنة " حيث يتجه الأهالي الى الوديان لقضاء فترة هذا الموسم الخاص .
وأنا استحضر بقايا من ذكريات الطفولة والزمن الجميل في هذا الحي العتيق ، فإنني لا أنسى ما في قلبي من وجد وتعلق بكل الأحياء القديمة في مدينتي المحروسة (أطار) من كرن الكصبه ، أركيبه ، كنوال، تينيري ، أتويرسات ، حي أكويكه ، أمباركه و أعماره ، أتويفنده، أركيكات ، لحسينية ، ، الصنكه و أدباي ، الظلعه ، آبديه ،افريقيا ، ابريزت آغزازير ، ترون ، العمارية ، آغسيسيله ، الدايره ، ابريزت اهل سيد باب ، الديورات البيظ ، أكيل أهل همدي ، حي أمسيد عبدو محم ، رك الحيه ، اورور.
كما يتميز سكان هذا الحي و باقي أحياء المدينة بقاموس من الكلمات التي لايتم تداولها خارج هذا الحيز الجغرافي من الوطن والتي يعود اغلبها الى القاموس البربري ، من بينها :
اطارن ، الصرمية ، دفنت ، ابديه ، اشانطي . اقرغزة ، اشتفان ، ازغران ، الغرف ، كبفور ، لخراب ، الخوص ، لبات بو خزايم ، الفش ، المزراده ، لماشح ، الرابوز ، اللمب ، الصفيه ، الركوة ، احصاير ازران ، الخبطه ، اتبريت ، سكر تلج ، نيلت انميرات ، لكطيفة ، لغلاف ، البنيه ، آمشغب ، تيزياتن ، لحرج ، آمتر ، اتاسوفره ، اقرقفه ، لمهاريز ، اسمارات ، لكراط ، فروا ، الخراط ، لكنيف .
هذه بعض الشذرات مما أسعفتني به الذاكرة عن هذا الحي الذي (يحبنا ونحبه).
ورغم أنني غادرت (أغنمريت ) نهاية العام 1989، وأنا حينها ما زلت طفلا أخطو خطواتي الأولى في درب الحياة وذلك في رحلة -غير مبرمجة أصلا -الى نواكشوط هي الأولى لي حينها رفقة باقي أفراد الاسرة، فإن حي (أغنمريت) لم يغادر وجداني ولن يغادره وستظل ذكرياته الجميلة منقوشة في ذاكرتي ومحفورة في وجداني مثل بطحائه المنساب مائها ، العذب غديرها، و بيوته المنقوشة من الطين والحجر وزعف النخيل ومن عرق رجال صلحاء كرماء طارت شهرتهم وذاع صيتهم وظهرت كراماتهم و صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
ختامها مسك وبخور ، وكلمات من شعر لهجي لأحد أبناء هذا الحي ، يتحدث فيها بلساني ولسانك ولسان كل من عبروا يوما من ربوع هذا الحي أو سلكوا شوارعه المباركة وأزقته العتيقة الطيبة :
يا ربي واكتن وسَيْت
كَبر التيخ امع غلظ الشان
لاتكتلنِ مافت الكيت
حد اعرفةُ كابر فوطان
اطار وكابر فغنمريت
إمن الفوك اعْلَ الظلعه كان
جيرانُ ما نجبرھم تيت
ولاھُومَ يَمْ الجيران
ياربي عاكب ذ المضيت
نسدر ما نعرف يَكًانْ
موريتان ألا فغنمريت
والل مانعرف موريتان
عبدو ولد أحمين سالم / كاتب صحفي